عندما كانت ظاهرة التغير والحركة ، ظاهرة ملموسة ، ودائمة ومستمرة دون توقف ؛ فنجدها قد أخذت مكان الصدارة من التفكير البشري ، وذلك منذ فجر الحضارات الإنسانية بصفة عامة وحتى يومنا هذا ، وعلى الرغم من هذا الاهتمام المبكر والمستمر من قبل المفكرين، فإن مفهوم التغير قد عولج من قبل أولئك المفكرين من منظورات وتصورات مختلفة ، وذلك تبعاً للاتجاهات الفكرية ولأيديولوجيات السائدة في كل مجتمع ، وفي كل عصر من العصور .وما يجمع عليه المفكرون هو أن التغير الاجتماعي ظاهرة اجتماعية(Social phenomenon) ، وحقيقة لا تقبل الشك ، فالمجتمع بطبيعته متغير , فهو يأخذ من الجيل السابق جوانب ثقافية ويضيف عليها تمشياً مع واقعه الاجتماعي ومتطلباته المستجدة .
وتعتبر ظاهرة التغير في الوقت الماثل من أهم المسائل التي تشغل الفكر الاجتماعي الحديث , وخاصة بعد الحربين العالميتين , فقد أخذت الجهود تتجه نحو التغيير المخطط من أجل إحداث تنمية حقيقية هادفة ، وهكذا فلم يعد حدوث التغير يسير تلقائياً دون توجيه واع , وإنما يتم وفق خطة مدروسة ، فهو إذا تغيير مقصود وإرادي وأصبحت المجتمعات في العصر الحاضر تستحدث المناهج والوسائل من أجل توجيه عملية التغير نحو إحداث وتحقيق التنمية بوجه عام ، وهذا يستدعي تحديد مفهومه تحديداً موضوعياً دقيقاً ، ومعرفة آلياته وأنماطه واتجاهاته وعوامله وموجهاته وعوائقـه ، إلى غير ذلك من الجوانب التي من شأنها تعميق الفهم اللازم لهذه الظاهرة الهامة . وهنا سوف نتناول مفهم التغير ومصادره أو آلياته .
== '''مفهـوم التغـير الاجتمـاعي:''' ==
التغير لغة :كما جاء في لسان العرب " تغير الشيء عن حاله: تحول. وغَيَّرَهُ : حولَّـه وبدَّله ، كأنه جعله غير ما كان . وفي التنزيل العزيز:(ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم ).(الأنفال / 53) قال ثعلب: حتى يبدلوا ما أمرهم الله…إلى أن قال : وغِيَر الدهر : أحواله المتغيرة .."(ابن منظور، ج2،ص1035).
والتغير يشير إلى الاختلاف الكمي أو الكيفي ما بين الحالة الجديدة والحالة القديمة أو اختلاف الشيء عما كان عليه ، في خلال فترة محددة من الزمن . وعندما تضاف كلمة الاجتماعي يصبح " التغير الاجتماعي Social Change " هو : التغير الذي يحدث داخل المجتمع أو التحول الذي يطرأ على أي من جوانب المجتمع خلال فترة زمنية محددة . إلا أنه ليست كل التغيرات التي تطرأ على المجتمع هي تغيرات اجتماعية ، فهناك تغيرات عديدة في المجتمع في جانبي الثقافة : المادي والمعنـوي . وهناك اختلاف في أنماط العلاقات بين الأفراد والجماعات ، واختلاف في الوظائف والأدوار الاجتماعية وفي الأنظمة والقيم والعادات والتقاليد وفي الأدوات المستخدمة والخبرات ..الخ . فما هو التغير الاجتماعي بين تلك التغيرات التي تحدث داخل المجتمع ؟
• للإجابة على هذا السؤال : نجد للتغير الاجتماعي عند "غي روشيه Guy Rocher " أربع صفات . وهذه الصفات هي :1. التغير الاجتماعي ظاهرة عامة ومنتشرة لدى فئات واسعة من المجتمع بحيث يغير مسار حياتها .2. التغير الاجتماعي كل تحول يصيب البناء الاجتماعي .3. يكون التغير الاجتماعي محدداً بفترة زمنية معينة .4. يتصف التغير الاجتماعي بالديمومة والاستمرارية ، أي ليس مؤقتاً سريع الزوال حيث يصعب فهمه .
ويشير "عاطف غيث " إلى أن التغيرات الاجتماعية هي التي تحدث في التنظيم الاجتماعي ، وتأتي على عدة أشكال وهي :1- التغير في القيم الاجتماعية , تلك القيم التي تؤثر بطريقة مباشرة في مضمون الأدوار الاجتماعية ومعايير التفاعل الاجتماعي .2- التغير في النظام الاجتماعي أي في البناءات المحددة مثل صور التنظيم ومضمون الأدوار .3- التغير في مراكز الأشخاص , ويحدث ذلك بحكم التقدم في السن أو نتيجة الموت .والمفكرون متفقون حول النظرة العامة لماهية التغير الاجتماعي الذي هو : كل تغير يطرأ على البناء الاجتماعي في الوظائف والقيم والأدوار الاجتماعية خلال فترة محددة من الزمن . وقد يكون هذا التغير إيجابياً أي تقدماً وقد يكون سلبياً أي تخلفاً ، وقد يكون سريعاً ومفاجئاً أو بطيئاً وتدريجياً أو زيادة أو نقصان ... أي ليس هناك من اتجاه أو نمط محدد للتغير الاجتماعي .
== '''أنماط التغير الاجتماعي ومصطلحاته:''' ==
يعتبر مصطلح التغير الاجتماعي مصطلحاً حديثاً نسبياً بوصفه دراسة علمية ، ولكنه قديم من حيث الاهتمام به وملاحظته . ولقد تطور مفهوم التغير الاجتماعي ماراً باتجاهات ومراحل متعددة ، تعددت معها المفاهيم والمصطلحات المشابهة لهذا المفهوم ، والمتداخلة فيما بينها إلى درجة كبيرة .\
ومفهوم التغير لم يستخدم بشكل محدد إلا بعد أن تطورت مناقشة نظريتي التقدم ، والتطور في علم الاجتماع المعاصر حيث اتجهت هذه المناقشة إلى اتجاهين رئيسيين الأول منهما انطوى على إحياء النظرية الدورية في التاريخ على يد كل من " شبنجلر" في كتابه عن " تدهور الغرب " و " سوروكين " في كتابه عن " الديناميات الاجتماعية والثقافية " أما الثانى فقد اتجه إلى طرح اصطلاح التقدم الاجتماعي كلية وإحلال اصطلاح التغير الاجتماعي محله ، ولعل " وليام أوجبرن " هو الذي ساهم في انتشار هذا المصطلح وذلك عام 1922م في كتابه " التغير الاجتماعي " وهذا المصطلح الجديد هو الذي حل مشكلة التداخل في استعمال المصطلحات والمفاهيم المتداخلة، والمتضمنة في مفهوم التغير الشامل ، حيث كان هناك مزجاً بن مفاهيم ( [[الإصلاح الاجتماعي]] Social Reform ) و(الثورة الاجتماعية Social Revolution ) و (النمو الاجتماعي Social Grouth ) و (التطور الاجتماعي Social Evolution ) و ( التقدم الاجتماعي Social Progress) و (التحديث Modernization) و (التحضر Urbanization ) و (التنمية Development)و (التصنيع Industrialization) و (التغريب أو التشبه بالغرب Westernization ) إلى غير ذلك من المصطلحات والتصورات المشابهة ذات الصلة بمفهوم التغير الاجتماعي الو اسع .
== '''التقدم الاجتماعي:''' ==
استعمل اصطلاح "[[التقدم الاجتماعي]] Social Progress " في البداية باعتباره مرادفاً لمصطلح التغير الاجتماعي، وقد جاء ذلك واضحاً في كتابات أوجست كونت ، وكوندرسه، وتيرجو ، وغيرهم .وينطوي التقدم على مراحل ارتقائية ، أي أن كل مرحلة تكون أفضل من سابقتها. وهو يشير إلى انتقال المجتمع إلى مرحلة أفضل من حيث الثقافة والقدرة الإنتاجية والسيطرة على الطبيعة .
ويعرف بأنه العملية التي تأخذ شكلاً محدداً واتجاهاً واحداً مستقيماً يتضمن توجيهاً واعياً مخططاً ومقصوداً لتوجيه عملية التغير نحو الأمـام بهدف تحقيق بعض الأهداف المرسومة والمنشودة والمقبولة ، أو الأهداف الموضوعية التي تنشد خيراً أو تنتهي إلى نفع .ومفهوم التقدم يتضمن مدخلاً معيارياً قيمياً للحكم على الأحداث الاجتماعية حيث يعتقد معظم مفكري كل عصر أن التقدم الذي وصلت إليه مجتمعاتهم الراهنة أفضل مما كانت عليه في السابق ، ومع بداية العصور الحديثة ظهرت حركة فكرية تدعو إلى التفاؤل في المستقبل ، كما أن فكرة التقدم تحمل مضموناً نسبياً فقد تتغير بتبدل الأحوال والأزمنة ، فالتقدم في مجتمع أو عصر قد يكون تخلفاً بمفهوم مجتمع أو زمان آخر ، حيث يدخل الجانب الخلقي، فالأهداف المحققة نتيجة للتقدم تختلف النظرة إليها، نظراً لصعوبة قياس الأهداف ناهيك عن صعوبة حصر الوسائل المؤدية إليها.
وقد بين ويل ديورنت أن الإنسانية في خلال تقدمها الاجتماعي الارتقائي قد مرت بعدة مراحل هي : -
النطق > النار > استئناس الحيوان > الزراعة > التنظيم الاجتماعي > الأخلاق > الآلات- الصناعة > العلوم > التربية > الكتابة.ويرى فونتينل " أن تجمع المعرفة الإنسانية يساعد في التقدم المستمر للإنسانية ، ويتفق معه في ذلك ، كل من بودان ، وكوندرسه وكانت. ولهذا بدأت تظهر نظريات التقدم الاجتماعي مع ظهور الثورة الصناعية التي أدت إلى ظهور فلسفة التقدم بوجه عام .ويعرف هوبهاوس التقدم "بأنه نمو اجتماعي للجوانب الكمية والكيفية في حياة الإنسان " .ويذهب كاريف بأن التقدم "هو تطور تدريجي يدل على نمو المجتمع وتصاحبه مؤشرات تدل على مدى التقدم ".ويتبين من مجمل التعاريف السابقة أن التقدم الاجتماعي يعني تطور الجوانب المادية والفكرية للمجتمع ، وهو يحمل معنى معيارياً قيمياً. كما يتضح بأنه نسبي وارتقائي ومستمر. فهو يعني التحسن المستمر الدائم. وكذلك فهو تطور تدريجي يدل على نوع من النمو الاجتماعي للجوانب الكمية والكيفية في حياة الإنسان والمجتمع .
ومن هنا يستدل على الاختلاف بين المفهومين : "التقدم الاجتماعي Social Progress " و"التغير الاجتماعي Social Change" حيث أن الأول يحمل معنى التحسن المستمر نحو الأمام أي أنه يسير في خط صاعد ، ويكون في الغالب تغيراً مرحلياً إيجابياً ، بينما التغير قد يكون إيجابياً أو سلبياً، فقد يكون تقدماً إلى الأمام وقد يكون تأخراً ونكوصاً ، إذاً فهو عملية التحول من حال إلى حال أخرى ، وهكذا فإن التقدم عبارة عن حالة من حالات التغير ، ولكن التغير ليس بالضرورة تقدماً موجباً ، حيث قد يتجه نحو العكس من ذلك تماماً . وبالتالي يكون مصطلح التغير أكثر علمية ، لأنه يتوافق وواقع المجتمعات (واقع التقدم وواقع التخلف) فالمجتمعات ليست دائماً في تقدم مستمر وإنما يعتريها التخلف أيضاً .
== '''التطـور الاجتمـاعي:''' ==
لقد استعمل مفهوم "التطور الاجتماعي Social Evolution " بشكل واسع في العلوم الاجتماعية، وفي علم الاجتماع بشكل خاص، بعد أن وضع "دارون " كتابه المعروف "بأصل الأنواع " عام 1859م، مبيناً فيه نظريته التطورية البيولوجية للكائنات الحية .ومفهوم "التطور الاجتماعي Social Evolution " يعني النمو أو التقدم المتدرج البطيء (دون طفرات ) الذي يؤدي إلى تحولات منتظمة ومتلاحقة ، تمر بمراحل مختلفة ترتبط فيها كل مرحلة لاحقة بالمرحلة السابقة التي تمهد لها وتعد ضرورية لحدوثها .ويعرفه معجم علم الاجتماع "بالعملية التي بموجبها تحقق المجتمعات الإنسانية نمواً مستمراً مروراً بمراحل متلاحقة مترابطة ".وهكذا فالتطور هو الانتقال التدريجي كمياً أو كيفياً وفقاً لمراحل محددة ومتوقعة مسبقاً ، أي من مرحلة محددة المعالم إلى مرحلة تالية كالانتقال مثلاً من طور البداوة إلى الطور الريفي ثم إلى الطور الحضري ولكن التغير هو مجرد التحول الذي يحدث في الحياة الاجتماعية ، وما يرتبط به من علاقات وتفاعلات أيا كانت درجته أو مداه أو شكله وبذلك فان التطور يعنى تغيراً ، ولكن التغير قد لا يكون تطوراً ، بمعنى أن التطور إنما يعبر عن حالة التغير إلى أشكال مرحلية متوقعة وممكنة وسواء كان الحكم عليها موجباً أم سالباً وأبرز مثال على ذلك هو التطور الذي يحدث في مراحل عمر الإنسان ، وتطور حالة المريض والمعركة وغير ذلك .
== '''النمـو الاجتمـاعي:''' ==
يشير مصطلح النمو إلى عملية النضج التدريجي والزيادة المستمرة للكائن سواء في حجمه الكلي أو أجزاءه في سلسلة من المراحل الطبيعية ويتضمن النمو تغيراً كمياً وكيفياً ، وقد يكون مرغوباً أو العكس ، يقال نمت الأزهار أو نمت الأشواك في الحديقة .وحينما تضاف كلمة اجتماعي إلى النمو بحيث يصبح " النمو الاجتماعي Social Grouth " أي النمو الذي يتعلق بالمجتمع ، فإنه يعني في هذه الحالة نمو السمات الفردية بما يتفق مع الأنماط الاجتماعية المقـررة والبيئة الاجتماعية من ناحية عامة. وقد استخدم المصطلح بمعان مختلفة في الفكر الحديث ، فيقال أحياناً مجتمعات نامية ومجتمعات أقل نمواً ومجتمعات أكثر نمواً ، وما إلى ذلـك وهناك جدل كبير في أدبيات التنمية حول هذه المسميات .ومن الناحية النظرية، فإن مفهوم النمو يقترب من مفهوم التطور ولكنه لا يتطابق معه . وهكذا يُلاحَظ أن سبنسر يخلط بين مصطلح النمو والتطور، ولكن إذا كان ذلك جائزاً في السابق فالوضع يختلف اليوم .ومصطلح النمو الاجتماعي يختلف عن مصطلح التغير الاجتماعي في عدة نقاط أهمها :-ا- يشير النمو إلى الزيادة في جانب واحد من جوانب الحياة ، أما التغير فقد يشمل البناء الاجتماعي والنظام والأدوار والقيم وقواعد الضبط الاجتماعي. 2- يتصف النمو بالثبات المستمر نسبياً ، أما التغير فقد يكون كذلك أو العكس تماماً.3- يكون النمو بطيئاً وتدريجياً نحو الزيادة أما التغير الاجتماعي فقد يكون سريعاً ويتضمن قفزات مفاجئة .4- يشير النمو إلى الجوانب الكمية ، أما التغير فيشير إلى الجوانب الكمية أو الكيفية ، أو كلتيهما .5- النمو يتعلق في الغالب بالجانب المادي من المجتمع ، أما التغير فيتعلق بالجانب المادي أو المعنوي أو بكليهما.6- يسير النمو في خط مستقيم ، نحو الأمام أي ( الزيادة ) بحيث يمكن التنبؤ بما سيؤول إليه ، أما التغير فلا يكون سيره مستقيماً باستمرار، وقد يكون إلى الأمام فيؤدي إلى التقدم ، كما قد يكون إلى الوراء فيؤدي إلى التخلف .7- وهو يختلف عن التغير في كونه تلقائياً بينما التغير قد يكون تلقائياً أو تغييراً إرادياً ومخططاً ( تنمية ).والخلاصة مما تقدم يتبين أن " النمو الاجتماعي Grouth Social " يعنى الزيادة والتراكم بشكل مرحلي مستمر وبمعدل ثابت نسـبياً ، وفي الغالب يكون تغيراً مرغوباً على الأقل في بعض مراحله والنمو يدل على اتجاه التغير نحو التطور أو التقدم البطيء نحو الأمام ، أما التغير فهو التحول الذي يحدث في أي معدل وفي أي اتجاه حيث قد يأتي في اتجاه الزيادة أو النقصان. بمعنى أن النمو حالة من حالات التغير وليس العكس .وفي الدراسة السوسيولوجية نهتم بالتغير الاجتماعي لأنه يعبر عن حقيقة ديناميكية المجتمع التي تأتي في اتجاهات ومعدلات متفاوتة ؛ أما النمو فيدخل غالباً في الدراسات الاقتصادية نظراً لطبيعة عملية النمو وخصائصها .
== '''التنميـة الاجتماعيـة :''' ==
تعرف التنمية الاجتماعية بأنها الجهود التي تبذل لإحداث سلسلة من التغيرات الوظيفية والهيكلية اللازمة لنمو المجتمع ، وذلك بزيادة قدرة أفراده على استغلال الطاقة المتاحة إلى أقصى حد ممكن ، لتحقيق أكبر قدر من الحرية والرفاهية لهؤلاء الأفراد بأسرع من معدل النمو الطبيعي. كما أنها العملية التي يتم بموجبها إشباع حاجات الأفراد عن طريق التعبئة المثلى لجهودهم .ويعرفها " حسن سعفان" بأنها " الجهود المنظمة التي تبذل وفق تخطيط مرسوم للتنسيق بين الإمكانيات البشرية والمادية المتاحة في وسط اجتماعي معين، بقصد تحقيق مستويات أعلى للدخل القومي والدخول الفردية ، ومستويات أعلى للمعيشة والحياة الاجتماعية في نواحيها المختلفة كالتعليم والصحة والأسرة والشباب، ومن ثم الوصول إلى تحقيق أعلى مستوى ممكن من الرفاهية الاجتماعية " (سعفان : 1973، 225).ويذهب " نبيل السمالوطي " إلى أن تنمية مجتمعات العالم الثالث " إنما تتمثل في إعادة الصياغة البنائية والوظيفة للنظم والتنظيمات المختلفة في اتجاه يخدم جماهير هذه المجتمعات وليس أية طبقة معينة مهما كانت ، كما يحقق السيطرة الشعبية الكاملة لكل قوى الشعب داخل المجتمع بلا استثناء . وبعبارة أخرى تتمثل التنمية في تحديث المجتمعات التقليدية في كافة المجالات الاقتصادية والإدارية والاجتماعية بوجه عام ، في إطار عام من الفرص المتكافئة وعدالة التوزيع "(السالوطي 1981،ص 146).ويمكن تصنيف الاتجاهات السائدة في تعريف التنمية إلى ثلاث اتجاهات هي :
1_ الاتجاه الرأسمالي : والتنمية هنا عبارة عن مراحل نمو تدريجي مستمر بهدف إشباع أو مواجهة الحاجات الاجتماعية للإنسان عن طريق سن التشريعات ووضع البرامج وخدمات الرعاية الاجتماعية وتنفيذها بجهود مشتركة حكومية وأهلية . 2- الاتجاه الاشتراكي: يسلم هذا الاتجاه بأن التنمية الاجتماعية تعني عملية التغير الاجتماعي الموجهة إلى تغيير البناء الاجتماعي راديكالياً ، أي عن طريق الثورة ، وإقامة بناء جديد ، تنبثق عنه علاقات جديدة ، وقيم مستحدثة ، بالإضافة إلى تغيير علاقات الإنتاج القديمة ، وذلك لصالح الطبقة العاملة . فالتغير يتجه أولاً إلى البناء التحتي- الاقتصادي- من أجل إحداث التغيير الاجتماعي المطلوب (التنمية) .
3- الاتجاه الاجتماعي : وهو اتجاه المفكرين الاجتماعيين الذين يرون أن عملية التنمية هي تحقيق التوافق الاجتماعي لدى أفراد المجتمع ، بما يعنيه ذلك من إشباع بيولوجي ونفسي واجتماعي .
مما تقدم يتضح أن "التنمية الاجتماعية Social Development "هي نوع من التغير المقصود أو المخطط له بغرض الانتقال من حال غير مرغوبة إلى حال أفضل ، فهي السير في اتجاه موجب ومرغوب إذاً هي نوع من التغيير الناتج عن التحكم في عوامل التغير واتجاهاته ؛ بينما التغير يعنى الحال المتغيرة التي تحدث بفعل عمليات مخططة، وفي اتجاه مرغوب وموجب ، أو العكس ، وذلك مثل تغير حالة الإنسان، والنبات، وبعض مظاهر الطبيعة والمجتمعات ، وذلك دون تدخل مقصود ، أما إذا تدخلنا للتحكم في هذه الجوانب فإننا بصدد عملية تنمية (تغيير واعي) يؤمن بالنتائج الإضافية المستمرة نحو مرحلة متقدمة مطلوبة وممكنة ، يتحقق فيها الخير الاجتماعي ، والرفاهية الاجتماعية .
== '''التحـديث:''' ==
" التحديث Modernization" هو استبدال الأسلوب التقني التقليدي وما يرتبط به من أنماط تتصل بحياة الأشخاص أو الجماعات أو المجتمعات وذلك بأسلوب أكثر حداثة ومعاصرة ، وعندما كان هذا التحول تغيراً ، فان التحول المعاكس يكون تغيراً أيضاً ؛ ولكنه بالطبع ليس تحديثاً وبالنظر إلى التحديث كنوع من التقليد أو التبعية للغرب فإن هذا المفـهوم ( التحديث ) يكون مقبولاً لدى بعض الناس في بعض المجتمعات ومرفوضاً لدى البعض الآخر على أنه ينطوي على نوع من الابتداع أو البدعة ، بينما قبول التغير أو رفضه يعتمد على ما يتضمنه هذا التغير ، فهو لا يرفض ولا يقبل كمفهوم فقط.(الخولي : 1985).
== '''التحضر والحضرية :''' ==
يشير مفهوم " التحضر Urbanization" إلى عملية من عمليات التغير الاجتماعـي وهى انتقال الريفيين إلى المدن واكتسابهم تدريجياً القيم الحضرية وما يرتبط بها من أنماط السلوك الحضري إلى أن تنتهي هذه العملية إلى ما يسمى بالتكيف الاجتماعي . أما مجرد انتقالهم إلى المدن فهو عبارة عن تغير ، ولكنه ليس تحضراً . وهكذا فالتحضر يصف جزءاً من عملية التغير الاجتماعي . والتغير كذلك يختلف عن مفهوم " الحضرية Urbanism" الذي يشير إلى اكتساب الناس وخاصة في الريف لأساليب الحضر دون الانتقال إلى المدن ؛ كما يحدث في عملية التحضر فالتغير يعنى ذلك ويعنى كذلك العكس تماماً ، كما يعني اكتساب هؤلاء لأي أساليب وفي أي اتجاه سواء عصري أو غير عصري . ويعتبر " الانتشار الثقافي " أحد وجوه اكتساب الخصائص الحضـرية ، وهو من العوامل الخارجية للتغير. (الخولي 1985ص 71).
== '''مصادر التغير الاجتماعي وآلياتـه:''' ==
تختلف مصادر التغير الاجتماعي ، إلا أنه يمكن القول بأن هناك مصدرين للتغير هما:-
1- المصدر الداخلي: أي أن يكون نتيجة لتفاعلات تتم داخل المجتمع أو النسق الاجتماعي ، فتعمل على بلورة نوع من الوعي الداعي بل والقابل للتغير ، مثل القرارات الإدارية والتعليم ، والمشروعات الكبرى ، وكذلك بعض الحركات الداعية للتجديد أو الإصلاح الخ .
2- المصدر الخارجي: الذي يأتي من خارج المجتمع ، نتيجة انفتاح المجتمع واتصاله بغيره من المجتمعات الأخرى ، وما ينتج عن ذلك من الاستيرادات والإعلام والابتعاثات ، أو تدخلات المنظمات الدولية ، الخ .
وسواء أكان المصدر من الداخل أم من الخارج فإن ذلك يقوم على آليات محددة هي:-
1- الاختراع والاكتشاف: يبدو في ابتكار أشياء جديدة لم تكن موجودة من قبل ، مثل إكتشاف البترول ، المخترعات كوسائل المواصلات والاتصالات ومختلف التقنيات .
2- الذكاء والبيئة الثقافية: بلا شك أن الاختراع أو الاكتشاف، إنما يتطلب مستوى مرتفع من الذكاء والإبداع والمبادرات الواعية من الأشخاص والجماعات .
3- الانتشـار: ويعني قبول المكتشفات والتفاعل مع المخترعات والتجديدات الوافدة من قبل أفراد المجتمع ؛ إلا أن المخترعات لن يكتب لها النجاح في أن تؤدي إلى عملية التغير حتى تعم وتنتشر لدى أشخاص كثيرين أي على نطاق واسع في المجتمع مثل انتشار الفضائيات والإنترنت وتوظيفها في خدمة إحداث التغيير وتوجيهه.
== '''مراجع:''' ==
* [[التغير الاجتماعي]] في [[منطقة حائل]]، دراسة علمية، غير منشورة ، للدكتور [[شائم بن لافي الهمزاني]]، [[1990]]م.
وتعتبر ظاهرة التغير في الوقت الماثل من أهم المسائل التي تشغل الفكر الاجتماعي الحديث , وخاصة بعد الحربين العالميتين , فقد أخذت الجهود تتجه نحو التغيير المخطط من أجل إحداث تنمية حقيقية هادفة ، وهكذا فلم يعد حدوث التغير يسير تلقائياً دون توجيه واع , وإنما يتم وفق خطة مدروسة ، فهو إذا تغيير مقصود وإرادي وأصبحت المجتمعات في العصر الحاضر تستحدث المناهج والوسائل من أجل توجيه عملية التغير نحو إحداث وتحقيق التنمية بوجه عام ، وهذا يستدعي تحديد مفهومه تحديداً موضوعياً دقيقاً ، ومعرفة آلياته وأنماطه واتجاهاته وعوامله وموجهاته وعوائقـه ، إلى غير ذلك من الجوانب التي من شأنها تعميق الفهم اللازم لهذه الظاهرة الهامة . وهنا سوف نتناول مفهم التغير ومصادره أو آلياته .
== '''مفهـوم التغـير الاجتمـاعي:''' ==
التغير لغة :كما جاء في لسان العرب " تغير الشيء عن حاله: تحول. وغَيَّرَهُ : حولَّـه وبدَّله ، كأنه جعله غير ما كان . وفي التنزيل العزيز:(ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم ).(الأنفال / 53) قال ثعلب: حتى يبدلوا ما أمرهم الله…إلى أن قال : وغِيَر الدهر : أحواله المتغيرة .."(ابن منظور، ج2،ص1035).
والتغير يشير إلى الاختلاف الكمي أو الكيفي ما بين الحالة الجديدة والحالة القديمة أو اختلاف الشيء عما كان عليه ، في خلال فترة محددة من الزمن . وعندما تضاف كلمة الاجتماعي يصبح " التغير الاجتماعي Social Change " هو : التغير الذي يحدث داخل المجتمع أو التحول الذي يطرأ على أي من جوانب المجتمع خلال فترة زمنية محددة . إلا أنه ليست كل التغيرات التي تطرأ على المجتمع هي تغيرات اجتماعية ، فهناك تغيرات عديدة في المجتمع في جانبي الثقافة : المادي والمعنـوي . وهناك اختلاف في أنماط العلاقات بين الأفراد والجماعات ، واختلاف في الوظائف والأدوار الاجتماعية وفي الأنظمة والقيم والعادات والتقاليد وفي الأدوات المستخدمة والخبرات ..الخ . فما هو التغير الاجتماعي بين تلك التغيرات التي تحدث داخل المجتمع ؟
• للإجابة على هذا السؤال : نجد للتغير الاجتماعي عند "غي روشيه Guy Rocher " أربع صفات . وهذه الصفات هي :1. التغير الاجتماعي ظاهرة عامة ومنتشرة لدى فئات واسعة من المجتمع بحيث يغير مسار حياتها .2. التغير الاجتماعي كل تحول يصيب البناء الاجتماعي .3. يكون التغير الاجتماعي محدداً بفترة زمنية معينة .4. يتصف التغير الاجتماعي بالديمومة والاستمرارية ، أي ليس مؤقتاً سريع الزوال حيث يصعب فهمه .
ويشير "عاطف غيث " إلى أن التغيرات الاجتماعية هي التي تحدث في التنظيم الاجتماعي ، وتأتي على عدة أشكال وهي :1- التغير في القيم الاجتماعية , تلك القيم التي تؤثر بطريقة مباشرة في مضمون الأدوار الاجتماعية ومعايير التفاعل الاجتماعي .2- التغير في النظام الاجتماعي أي في البناءات المحددة مثل صور التنظيم ومضمون الأدوار .3- التغير في مراكز الأشخاص , ويحدث ذلك بحكم التقدم في السن أو نتيجة الموت .والمفكرون متفقون حول النظرة العامة لماهية التغير الاجتماعي الذي هو : كل تغير يطرأ على البناء الاجتماعي في الوظائف والقيم والأدوار الاجتماعية خلال فترة محددة من الزمن . وقد يكون هذا التغير إيجابياً أي تقدماً وقد يكون سلبياً أي تخلفاً ، وقد يكون سريعاً ومفاجئاً أو بطيئاً وتدريجياً أو زيادة أو نقصان ... أي ليس هناك من اتجاه أو نمط محدد للتغير الاجتماعي .
== '''أنماط التغير الاجتماعي ومصطلحاته:''' ==
يعتبر مصطلح التغير الاجتماعي مصطلحاً حديثاً نسبياً بوصفه دراسة علمية ، ولكنه قديم من حيث الاهتمام به وملاحظته . ولقد تطور مفهوم التغير الاجتماعي ماراً باتجاهات ومراحل متعددة ، تعددت معها المفاهيم والمصطلحات المشابهة لهذا المفهوم ، والمتداخلة فيما بينها إلى درجة كبيرة .\
ومفهوم التغير لم يستخدم بشكل محدد إلا بعد أن تطورت مناقشة نظريتي التقدم ، والتطور في علم الاجتماع المعاصر حيث اتجهت هذه المناقشة إلى اتجاهين رئيسيين الأول منهما انطوى على إحياء النظرية الدورية في التاريخ على يد كل من " شبنجلر" في كتابه عن " تدهور الغرب " و " سوروكين " في كتابه عن " الديناميات الاجتماعية والثقافية " أما الثانى فقد اتجه إلى طرح اصطلاح التقدم الاجتماعي كلية وإحلال اصطلاح التغير الاجتماعي محله ، ولعل " وليام أوجبرن " هو الذي ساهم في انتشار هذا المصطلح وذلك عام 1922م في كتابه " التغير الاجتماعي " وهذا المصطلح الجديد هو الذي حل مشكلة التداخل في استعمال المصطلحات والمفاهيم المتداخلة، والمتضمنة في مفهوم التغير الشامل ، حيث كان هناك مزجاً بن مفاهيم ( [[الإصلاح الاجتماعي]] Social Reform ) و(الثورة الاجتماعية Social Revolution ) و (النمو الاجتماعي Social Grouth ) و (التطور الاجتماعي Social Evolution ) و ( التقدم الاجتماعي Social Progress) و (التحديث Modernization) و (التحضر Urbanization ) و (التنمية Development)و (التصنيع Industrialization) و (التغريب أو التشبه بالغرب Westernization ) إلى غير ذلك من المصطلحات والتصورات المشابهة ذات الصلة بمفهوم التغير الاجتماعي الو اسع .
== '''التقدم الاجتماعي:''' ==
استعمل اصطلاح "[[التقدم الاجتماعي]] Social Progress " في البداية باعتباره مرادفاً لمصطلح التغير الاجتماعي، وقد جاء ذلك واضحاً في كتابات أوجست كونت ، وكوندرسه، وتيرجو ، وغيرهم .وينطوي التقدم على مراحل ارتقائية ، أي أن كل مرحلة تكون أفضل من سابقتها. وهو يشير إلى انتقال المجتمع إلى مرحلة أفضل من حيث الثقافة والقدرة الإنتاجية والسيطرة على الطبيعة .
ويعرف بأنه العملية التي تأخذ شكلاً محدداً واتجاهاً واحداً مستقيماً يتضمن توجيهاً واعياً مخططاً ومقصوداً لتوجيه عملية التغير نحو الأمـام بهدف تحقيق بعض الأهداف المرسومة والمنشودة والمقبولة ، أو الأهداف الموضوعية التي تنشد خيراً أو تنتهي إلى نفع .ومفهوم التقدم يتضمن مدخلاً معيارياً قيمياً للحكم على الأحداث الاجتماعية حيث يعتقد معظم مفكري كل عصر أن التقدم الذي وصلت إليه مجتمعاتهم الراهنة أفضل مما كانت عليه في السابق ، ومع بداية العصور الحديثة ظهرت حركة فكرية تدعو إلى التفاؤل في المستقبل ، كما أن فكرة التقدم تحمل مضموناً نسبياً فقد تتغير بتبدل الأحوال والأزمنة ، فالتقدم في مجتمع أو عصر قد يكون تخلفاً بمفهوم مجتمع أو زمان آخر ، حيث يدخل الجانب الخلقي، فالأهداف المحققة نتيجة للتقدم تختلف النظرة إليها، نظراً لصعوبة قياس الأهداف ناهيك عن صعوبة حصر الوسائل المؤدية إليها.
وقد بين ويل ديورنت أن الإنسانية في خلال تقدمها الاجتماعي الارتقائي قد مرت بعدة مراحل هي : -
النطق > النار > استئناس الحيوان > الزراعة > التنظيم الاجتماعي > الأخلاق > الآلات- الصناعة > العلوم > التربية > الكتابة.ويرى فونتينل " أن تجمع المعرفة الإنسانية يساعد في التقدم المستمر للإنسانية ، ويتفق معه في ذلك ، كل من بودان ، وكوندرسه وكانت. ولهذا بدأت تظهر نظريات التقدم الاجتماعي مع ظهور الثورة الصناعية التي أدت إلى ظهور فلسفة التقدم بوجه عام .ويعرف هوبهاوس التقدم "بأنه نمو اجتماعي للجوانب الكمية والكيفية في حياة الإنسان " .ويذهب كاريف بأن التقدم "هو تطور تدريجي يدل على نمو المجتمع وتصاحبه مؤشرات تدل على مدى التقدم ".ويتبين من مجمل التعاريف السابقة أن التقدم الاجتماعي يعني تطور الجوانب المادية والفكرية للمجتمع ، وهو يحمل معنى معيارياً قيمياً. كما يتضح بأنه نسبي وارتقائي ومستمر. فهو يعني التحسن المستمر الدائم. وكذلك فهو تطور تدريجي يدل على نوع من النمو الاجتماعي للجوانب الكمية والكيفية في حياة الإنسان والمجتمع .
ومن هنا يستدل على الاختلاف بين المفهومين : "التقدم الاجتماعي Social Progress " و"التغير الاجتماعي Social Change" حيث أن الأول يحمل معنى التحسن المستمر نحو الأمام أي أنه يسير في خط صاعد ، ويكون في الغالب تغيراً مرحلياً إيجابياً ، بينما التغير قد يكون إيجابياً أو سلبياً، فقد يكون تقدماً إلى الأمام وقد يكون تأخراً ونكوصاً ، إذاً فهو عملية التحول من حال إلى حال أخرى ، وهكذا فإن التقدم عبارة عن حالة من حالات التغير ، ولكن التغير ليس بالضرورة تقدماً موجباً ، حيث قد يتجه نحو العكس من ذلك تماماً . وبالتالي يكون مصطلح التغير أكثر علمية ، لأنه يتوافق وواقع المجتمعات (واقع التقدم وواقع التخلف) فالمجتمعات ليست دائماً في تقدم مستمر وإنما يعتريها التخلف أيضاً .
== '''التطـور الاجتمـاعي:''' ==
لقد استعمل مفهوم "التطور الاجتماعي Social Evolution " بشكل واسع في العلوم الاجتماعية، وفي علم الاجتماع بشكل خاص، بعد أن وضع "دارون " كتابه المعروف "بأصل الأنواع " عام 1859م، مبيناً فيه نظريته التطورية البيولوجية للكائنات الحية .ومفهوم "التطور الاجتماعي Social Evolution " يعني النمو أو التقدم المتدرج البطيء (دون طفرات ) الذي يؤدي إلى تحولات منتظمة ومتلاحقة ، تمر بمراحل مختلفة ترتبط فيها كل مرحلة لاحقة بالمرحلة السابقة التي تمهد لها وتعد ضرورية لحدوثها .ويعرفه معجم علم الاجتماع "بالعملية التي بموجبها تحقق المجتمعات الإنسانية نمواً مستمراً مروراً بمراحل متلاحقة مترابطة ".وهكذا فالتطور هو الانتقال التدريجي كمياً أو كيفياً وفقاً لمراحل محددة ومتوقعة مسبقاً ، أي من مرحلة محددة المعالم إلى مرحلة تالية كالانتقال مثلاً من طور البداوة إلى الطور الريفي ثم إلى الطور الحضري ولكن التغير هو مجرد التحول الذي يحدث في الحياة الاجتماعية ، وما يرتبط به من علاقات وتفاعلات أيا كانت درجته أو مداه أو شكله وبذلك فان التطور يعنى تغيراً ، ولكن التغير قد لا يكون تطوراً ، بمعنى أن التطور إنما يعبر عن حالة التغير إلى أشكال مرحلية متوقعة وممكنة وسواء كان الحكم عليها موجباً أم سالباً وأبرز مثال على ذلك هو التطور الذي يحدث في مراحل عمر الإنسان ، وتطور حالة المريض والمعركة وغير ذلك .
== '''النمـو الاجتمـاعي:''' ==
يشير مصطلح النمو إلى عملية النضج التدريجي والزيادة المستمرة للكائن سواء في حجمه الكلي أو أجزاءه في سلسلة من المراحل الطبيعية ويتضمن النمو تغيراً كمياً وكيفياً ، وقد يكون مرغوباً أو العكس ، يقال نمت الأزهار أو نمت الأشواك في الحديقة .وحينما تضاف كلمة اجتماعي إلى النمو بحيث يصبح " النمو الاجتماعي Social Grouth " أي النمو الذي يتعلق بالمجتمع ، فإنه يعني في هذه الحالة نمو السمات الفردية بما يتفق مع الأنماط الاجتماعية المقـررة والبيئة الاجتماعية من ناحية عامة. وقد استخدم المصطلح بمعان مختلفة في الفكر الحديث ، فيقال أحياناً مجتمعات نامية ومجتمعات أقل نمواً ومجتمعات أكثر نمواً ، وما إلى ذلـك وهناك جدل كبير في أدبيات التنمية حول هذه المسميات .ومن الناحية النظرية، فإن مفهوم النمو يقترب من مفهوم التطور ولكنه لا يتطابق معه . وهكذا يُلاحَظ أن سبنسر يخلط بين مصطلح النمو والتطور، ولكن إذا كان ذلك جائزاً في السابق فالوضع يختلف اليوم .ومصطلح النمو الاجتماعي يختلف عن مصطلح التغير الاجتماعي في عدة نقاط أهمها :-ا- يشير النمو إلى الزيادة في جانب واحد من جوانب الحياة ، أما التغير فقد يشمل البناء الاجتماعي والنظام والأدوار والقيم وقواعد الضبط الاجتماعي. 2- يتصف النمو بالثبات المستمر نسبياً ، أما التغير فقد يكون كذلك أو العكس تماماً.3- يكون النمو بطيئاً وتدريجياً نحو الزيادة أما التغير الاجتماعي فقد يكون سريعاً ويتضمن قفزات مفاجئة .4- يشير النمو إلى الجوانب الكمية ، أما التغير فيشير إلى الجوانب الكمية أو الكيفية ، أو كلتيهما .5- النمو يتعلق في الغالب بالجانب المادي من المجتمع ، أما التغير فيتعلق بالجانب المادي أو المعنوي أو بكليهما.6- يسير النمو في خط مستقيم ، نحو الأمام أي ( الزيادة ) بحيث يمكن التنبؤ بما سيؤول إليه ، أما التغير فلا يكون سيره مستقيماً باستمرار، وقد يكون إلى الأمام فيؤدي إلى التقدم ، كما قد يكون إلى الوراء فيؤدي إلى التخلف .7- وهو يختلف عن التغير في كونه تلقائياً بينما التغير قد يكون تلقائياً أو تغييراً إرادياً ومخططاً ( تنمية ).والخلاصة مما تقدم يتبين أن " النمو الاجتماعي Grouth Social " يعنى الزيادة والتراكم بشكل مرحلي مستمر وبمعدل ثابت نسـبياً ، وفي الغالب يكون تغيراً مرغوباً على الأقل في بعض مراحله والنمو يدل على اتجاه التغير نحو التطور أو التقدم البطيء نحو الأمام ، أما التغير فهو التحول الذي يحدث في أي معدل وفي أي اتجاه حيث قد يأتي في اتجاه الزيادة أو النقصان. بمعنى أن النمو حالة من حالات التغير وليس العكس .وفي الدراسة السوسيولوجية نهتم بالتغير الاجتماعي لأنه يعبر عن حقيقة ديناميكية المجتمع التي تأتي في اتجاهات ومعدلات متفاوتة ؛ أما النمو فيدخل غالباً في الدراسات الاقتصادية نظراً لطبيعة عملية النمو وخصائصها .
== '''التنميـة الاجتماعيـة :''' ==
تعرف التنمية الاجتماعية بأنها الجهود التي تبذل لإحداث سلسلة من التغيرات الوظيفية والهيكلية اللازمة لنمو المجتمع ، وذلك بزيادة قدرة أفراده على استغلال الطاقة المتاحة إلى أقصى حد ممكن ، لتحقيق أكبر قدر من الحرية والرفاهية لهؤلاء الأفراد بأسرع من معدل النمو الطبيعي. كما أنها العملية التي يتم بموجبها إشباع حاجات الأفراد عن طريق التعبئة المثلى لجهودهم .ويعرفها " حسن سعفان" بأنها " الجهود المنظمة التي تبذل وفق تخطيط مرسوم للتنسيق بين الإمكانيات البشرية والمادية المتاحة في وسط اجتماعي معين، بقصد تحقيق مستويات أعلى للدخل القومي والدخول الفردية ، ومستويات أعلى للمعيشة والحياة الاجتماعية في نواحيها المختلفة كالتعليم والصحة والأسرة والشباب، ومن ثم الوصول إلى تحقيق أعلى مستوى ممكن من الرفاهية الاجتماعية " (سعفان : 1973، 225).ويذهب " نبيل السمالوطي " إلى أن تنمية مجتمعات العالم الثالث " إنما تتمثل في إعادة الصياغة البنائية والوظيفة للنظم والتنظيمات المختلفة في اتجاه يخدم جماهير هذه المجتمعات وليس أية طبقة معينة مهما كانت ، كما يحقق السيطرة الشعبية الكاملة لكل قوى الشعب داخل المجتمع بلا استثناء . وبعبارة أخرى تتمثل التنمية في تحديث المجتمعات التقليدية في كافة المجالات الاقتصادية والإدارية والاجتماعية بوجه عام ، في إطار عام من الفرص المتكافئة وعدالة التوزيع "(السالوطي 1981،ص 146).ويمكن تصنيف الاتجاهات السائدة في تعريف التنمية إلى ثلاث اتجاهات هي :
1_ الاتجاه الرأسمالي : والتنمية هنا عبارة عن مراحل نمو تدريجي مستمر بهدف إشباع أو مواجهة الحاجات الاجتماعية للإنسان عن طريق سن التشريعات ووضع البرامج وخدمات الرعاية الاجتماعية وتنفيذها بجهود مشتركة حكومية وأهلية . 2- الاتجاه الاشتراكي: يسلم هذا الاتجاه بأن التنمية الاجتماعية تعني عملية التغير الاجتماعي الموجهة إلى تغيير البناء الاجتماعي راديكالياً ، أي عن طريق الثورة ، وإقامة بناء جديد ، تنبثق عنه علاقات جديدة ، وقيم مستحدثة ، بالإضافة إلى تغيير علاقات الإنتاج القديمة ، وذلك لصالح الطبقة العاملة . فالتغير يتجه أولاً إلى البناء التحتي- الاقتصادي- من أجل إحداث التغيير الاجتماعي المطلوب (التنمية) .
3- الاتجاه الاجتماعي : وهو اتجاه المفكرين الاجتماعيين الذين يرون أن عملية التنمية هي تحقيق التوافق الاجتماعي لدى أفراد المجتمع ، بما يعنيه ذلك من إشباع بيولوجي ونفسي واجتماعي .
مما تقدم يتضح أن "التنمية الاجتماعية Social Development "هي نوع من التغير المقصود أو المخطط له بغرض الانتقال من حال غير مرغوبة إلى حال أفضل ، فهي السير في اتجاه موجب ومرغوب إذاً هي نوع من التغيير الناتج عن التحكم في عوامل التغير واتجاهاته ؛ بينما التغير يعنى الحال المتغيرة التي تحدث بفعل عمليات مخططة، وفي اتجاه مرغوب وموجب ، أو العكس ، وذلك مثل تغير حالة الإنسان، والنبات، وبعض مظاهر الطبيعة والمجتمعات ، وذلك دون تدخل مقصود ، أما إذا تدخلنا للتحكم في هذه الجوانب فإننا بصدد عملية تنمية (تغيير واعي) يؤمن بالنتائج الإضافية المستمرة نحو مرحلة متقدمة مطلوبة وممكنة ، يتحقق فيها الخير الاجتماعي ، والرفاهية الاجتماعية .
== '''التحـديث:''' ==
" التحديث Modernization" هو استبدال الأسلوب التقني التقليدي وما يرتبط به من أنماط تتصل بحياة الأشخاص أو الجماعات أو المجتمعات وذلك بأسلوب أكثر حداثة ومعاصرة ، وعندما كان هذا التحول تغيراً ، فان التحول المعاكس يكون تغيراً أيضاً ؛ ولكنه بالطبع ليس تحديثاً وبالنظر إلى التحديث كنوع من التقليد أو التبعية للغرب فإن هذا المفـهوم ( التحديث ) يكون مقبولاً لدى بعض الناس في بعض المجتمعات ومرفوضاً لدى البعض الآخر على أنه ينطوي على نوع من الابتداع أو البدعة ، بينما قبول التغير أو رفضه يعتمد على ما يتضمنه هذا التغير ، فهو لا يرفض ولا يقبل كمفهوم فقط.(الخولي : 1985).
== '''التحضر والحضرية :''' ==
يشير مفهوم " التحضر Urbanization" إلى عملية من عمليات التغير الاجتماعـي وهى انتقال الريفيين إلى المدن واكتسابهم تدريجياً القيم الحضرية وما يرتبط بها من أنماط السلوك الحضري إلى أن تنتهي هذه العملية إلى ما يسمى بالتكيف الاجتماعي . أما مجرد انتقالهم إلى المدن فهو عبارة عن تغير ، ولكنه ليس تحضراً . وهكذا فالتحضر يصف جزءاً من عملية التغير الاجتماعي . والتغير كذلك يختلف عن مفهوم " الحضرية Urbanism" الذي يشير إلى اكتساب الناس وخاصة في الريف لأساليب الحضر دون الانتقال إلى المدن ؛ كما يحدث في عملية التحضر فالتغير يعنى ذلك ويعنى كذلك العكس تماماً ، كما يعني اكتساب هؤلاء لأي أساليب وفي أي اتجاه سواء عصري أو غير عصري . ويعتبر " الانتشار الثقافي " أحد وجوه اكتساب الخصائص الحضـرية ، وهو من العوامل الخارجية للتغير. (الخولي 1985ص 71).
== '''مصادر التغير الاجتماعي وآلياتـه:''' ==
تختلف مصادر التغير الاجتماعي ، إلا أنه يمكن القول بأن هناك مصدرين للتغير هما:-
1- المصدر الداخلي: أي أن يكون نتيجة لتفاعلات تتم داخل المجتمع أو النسق الاجتماعي ، فتعمل على بلورة نوع من الوعي الداعي بل والقابل للتغير ، مثل القرارات الإدارية والتعليم ، والمشروعات الكبرى ، وكذلك بعض الحركات الداعية للتجديد أو الإصلاح الخ .
2- المصدر الخارجي: الذي يأتي من خارج المجتمع ، نتيجة انفتاح المجتمع واتصاله بغيره من المجتمعات الأخرى ، وما ينتج عن ذلك من الاستيرادات والإعلام والابتعاثات ، أو تدخلات المنظمات الدولية ، الخ .
وسواء أكان المصدر من الداخل أم من الخارج فإن ذلك يقوم على آليات محددة هي:-
1- الاختراع والاكتشاف: يبدو في ابتكار أشياء جديدة لم تكن موجودة من قبل ، مثل إكتشاف البترول ، المخترعات كوسائل المواصلات والاتصالات ومختلف التقنيات .
2- الذكاء والبيئة الثقافية: بلا شك أن الاختراع أو الاكتشاف، إنما يتطلب مستوى مرتفع من الذكاء والإبداع والمبادرات الواعية من الأشخاص والجماعات .
3- الانتشـار: ويعني قبول المكتشفات والتفاعل مع المخترعات والتجديدات الوافدة من قبل أفراد المجتمع ؛ إلا أن المخترعات لن يكتب لها النجاح في أن تؤدي إلى عملية التغير حتى تعم وتنتشر لدى أشخاص كثيرين أي على نطاق واسع في المجتمع مثل انتشار الفضائيات والإنترنت وتوظيفها في خدمة إحداث التغيير وتوجيهه.
== '''مراجع:''' ==
* [[التغير الاجتماعي]] في [[منطقة حائل]]، دراسة علمية، غير منشورة ، للدكتور [[شائم بن لافي الهمزاني]]، [[1990]]م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق