من إيجاز القول المسنود عن واقع إقليم شمالي نجد
من طيء حتى ثمود :
كشف الستار عما في مسمى فسطين من أسرار:
سوف أتناول هنا معالم كشف جديد وهام لفك شفرة أسرار
ثلاث مسميات غامضة الدلالة والعلاقة مع أنها متداخلة ، وهي مسميات الفلس وطيء
وفلسطين...
فلقد اختلف الباحثون منذ أقدم العصور حول أصل
كلمة فلسطين وهل هي اسم لمكان؟ أم لشعب؟ أم ماذا ؟؟ فهنالك من الباحثين الغربيين
من قال بأن أصل لفظة فلسطين هو اغريقي أو يوناني ، وبأنه اسم لشعب جاء زمن
الفراعنة من البحر المتوسط وبأن اسمهم (فلسطيئِز) ثم عربت فصارت (فلسطين) وسمي بها
المكان ، فليست في الأصل اسما للمكان ، كما تشير الدلالة اللفظية لديهم ، وقد ذكر
في الوثائق المصرية القديمة
بصيغة بلست وفي المصادر الآشورية بصيغة
فلستيا أو فلستو ( بلستو ) ،
وفي جاء التوراة بصيغة إيريتس بلشيتم أي
أرض الفلسطيئين ، وجاء بلفظه الحالي عن المؤرخ
اليوناني هيرودوتس أبو التاريخ . وكما يعتقد المؤرخون فإن
الفلسطينيين الحاليين ينتمون إلى الشعوب والقبائل الكنعانية العربية ، وفي بعض
اللغات العبرانية نجد أنها مركبة من لفظتين هما : ستينا ومعناها أرض أو مكان وفال
: ومعناها المهاجر أو القاصد أو الحاج أو العابر أو التلاقي أو قريبا من ذلك ، وهي
هنا لا تبتعد عن الدلالة العربية فالفأل هو الاتجاه أو الوجهة أو التوجه وجمعه
توجهات وجهات اتجاهات ، وطين أرض أو مكان ، وهي كذلك أرض أو مكان (الفلس) ومنهم من
فسر لفظة الفلس بالنقد ومنهم من فسره بالخصوبة وبالزراعة التي تدر النقد ، وفي
اللغة الكردية نجد أن لفظ الفلس هو الصليب أو المتقاطع ولفظ طيئن معناها القسري أو
القهري أو الإجباري .. ولنأخذ هنا بأرجح الأقوال لدى أغلب الباحثين العرب ،
فأغلبها تنظر في الدلالات اللفظية للكلمة (فلسطين) وفقا لبعض المعطيات في الواقع
التاريخي للمنطقة ، حيث نجدها تتوارد وتتساند ، في طرح عدة استنتاجات لغوية
وواقعية شبه متوافق عليها ، ونجملها في الآتي
:
1-
إن تسمية فلسطين عبارة اصطلاح مركب من لفظتين أو
أكثر .
2-
أن أصل تسمية فلسطين له علاقة
باسم شعب قديم في جزيرة العرب اطلق عليهم اليونان والفينيقيون والاغريق مسمى (فلسطيئِز)
وأن هذا الشعب كان أول من ابتكر عملية الشراء والبيع بغير نظام التبادل (المقايضة)
وإنما بأسلوب بدائي يشبه النقد أو العملة اسمه الفلس . وبأن لهم علاقة بقبيلة طيء
العربية القحطانية النجدية ، وعلاقة بمكان أو مركز اسمه فَلْس , وبأن فلسطيئيا هو
اسم اطلق على أهل هذا المكان من القبائل الأخرى ، وبأن له علاقة باستخدام العملة وبلفظ
الفلس النقدي .
3-
وبأن لهذا النقد (الفلس) علاقة بوجود أول وأقدم
صنم عرف على الأرض ، وهو يمثل مرحلة وحدة الآلهة الوثنية أو عقيدة التوحيد الوثني
.
4-
وهذا الصنم يعد الوحيد في قدمه ووجوده والوحيد
في هيئته وفي أزليته وخلوده ، ويعتقد بأنه ابن الله أو صغير الفحل ، وبأنه الوحيد
الموكل على شئون أهل الأرض .
5-
وقد ذكر البعض بأن كل الدلالات تتمحور حول مفهوم
الصليب أو المصلب والبعض قال المتقاطع القسري أو القهري أو الاضطراري .
ومن العرض السابق فقد نبدو أمام مسألة لغز تعجيزي ليس له أية حلول أو أمام
حلم متداخل الرمزيات ومتضارب التأويلات .. وأقول : بلى أي نعم ، ذلك بالنسبة لمن
يفتقد لبعض معطياته الدلالية
، وفيما
يلي سوف نأتي على فك هذه الرموز الدلالية المذكورة مع
قبول فرضية أن لفظة فلسطين ماهي إلا مركب اصطلاحي له علاقة بالفلس النقدي وبمسمى طيء
:
أولا : أصل لفظة طيء ودلالتها
الاصطلاحية:
اشتهر
اللفظ (طيء) كاسم لقبيلة طيء القحطانية اليمانية المنشاء والنجدية الموطن والتأريخ
.. على أنه لقب لجلهمة بن أدد
الجد الأعلى لهذه القبيلة . وهنالك عدة أقوال حول أصل هذا اللقب (طيء) وهل أصل
اللفظ سابق لجلهمة أم أنه مرتبط به ذاته ؟ وأرجحها
رأيين هما:
1-
من يقول :
بأن (جلهمة) إنما لقب ب(طيء) أي المهاجر أو طاوي القفار ، نظرا لهجراته المتواصلة
من ترحال إلى ترحال من وادي ضريب بجوف اليمن حتى شمالي نجد ناحية جبال طيء .
2-
من يقول :
بأن الأمم السامية وقبل وجود قبيلة طيء في نجد ، إنما كانت تسمي العرب في قلب شبه الجزيرة
العربية مسمى يقارب من لفظة (طيئيا) وهكذا يكون استخدام اللفظ طيء نسبة إلى عرب طيئيا
أو طيئين (سكان الجبلين شمالي نجد) وهم غالبا من قوم ثمود ، وهكذا يكون أصل اللفظ واستخدامه
متقدما على وجود جلهمة جد الطائيين الذي عاصر تقريبا لميلاد المسيح عليه السلام ..
ثانيا : وهكذا نجد أن فلس طيئيا معناها بالنبطية
الثمودية التي سكنت هذا المكان لآلاف السنين ثم انتقلت إلى فلسطين ، كما يلي :
إنها اصطلاح مركب من ثلاثة ألفاظ هي:
1-
فَلْس : ومعناها : متقاطع ـ مصلب ـ معابر
2-
طي : ومعناها : الترحال ـ القوافل ـ المهاجر
3-
إيه أو إيل : ومعناها : إله ـ حاكم ـ قاهر
لتكون
هكذا : فلس طي إيه ، أي (إله متقاطع الترحال)
وقد صار مع الوقت اسما للشعب القاطن في هذا
المكان ، وهو باللاتيني : falstis
وبالعربية : فَلْسطيئين
ثالثا : أما المكان أو المركز (الصليب) ، فيشير إلى
حيث كانت تتقاطع معابر القوافل إجباريا في مياه وموارد (الجبلين
شمالي نجد) وذلك حتى استخدام السيارات قريبا ، حيث يمثل الإقليم
أكبر وأهم مركز لتلاقي طرق القوافل البرية وفيها متقاطع أو صليب (فلس) عبور الهجرات
من الجنوب إلى الشمال ومن الشرق إلى الغرب. كما هو موضح بالشكل التالي :
رابعا : وأنه في قلب متقاطع معابر القوافل وطرق الترحال
يوجد بشرقي جبل أجاء صنم على هيئة رجل عملاق ، وهو تكوين طبيعي أزلي ، يعد أقدم
صنم وجد وعبد على أرض الله واسمه (الفَلْس) وقد عُبد منذ الأزل ، وآخر من عبده هم
قبيلة طيء ، وهو برغم ما تعرض له من محاولات التشويه منذ بداية العهد الإسلامي فإنه
لا يزال . كما يبدو واضحا في الصور أدناه :
وعبر الزمن فإن هذا الصنم أخذ اسم (الفَلْس) من وصف المكان (الصليب) والذي يعتقد عابدوه بأنه يؤمن الخائف ويبارك القادم والمغادر ويرد المفقود ويسعد الطالع ويحفظ الأمانة ويجير الخائف الملتجئ إلى فنائه بينما يلتهم كل من يخدش قدسيته الإلهية أو يقترب معاديا من حماه (كمثلث برموده) . وكما هو واضح في الصور أعلاه فإنه أي (إله تقاطع القوافل الإجباري) عبارة عن تكوين طبيعي من صخور نارية ، على شكل رجل ، لكنه تعرض ولا يزال لمحاولات تشويه عديدة نالت منه ولكنها لم تخف معالمه ، وهو يتجه صوب الجنوب مائلا إلى الغرب (صوب الكعبة) وبنفس الوقت صوب الجهة التي تعتبر مصدر الخوف الأهم بالنسبة لسكان المكان حتى ما قبل قرن تقريبا .
وهذا الصنم (الفلس) الذي يقع في مركز ملتقى
القوافل ، كما في الشكل السابق ، وكما هو واضح فمكانه يقع في قلب الصليب الموضح
بين جبال أجا وسلمى ورمان شمالي نجد في قلب شبه جزيرة العرب ، والتي هي أيضا في قلب
العالم القديم والحديث ، وفيه كما هو مبين التقاطع الإجباري لطرق أو معابر القوافل
والترحال من الجنوب إلى الشمال ومن الشرق إلى الغرب وهي قبل السيارات تعتبر مسالك
إجبارية ، ذلك بحكم طبوغرافيا المكان وبحكم توفر موارد المياه للبشر وللدواب ، وعبر هذا المكان يمر مشروع زبيدة لتوفير الماء في طريق الحج العراقي ، وهو
اليوم يمثل أيضا ملتقى الخطوط الجوية العالمية ، ويقام فيه حاليا مطار للاضطرار الدولي ، وكذلك ميناء جاف .
وأود الإشارة إلى أنه في هذا المكان المركزي تمتزج طبوغرافياً كل ألوان الجبال في شبه جزيرة العرب ، وهي البركاني الأسود ، والناري الرمادي ، والجرانيتي الأحمر ، والبازلتي البني والكبريتي الأصفر ، والرملي الوردي ، وتبعا لذلك توجد به كل درجات نقاوة وعذوبة المياه بما فيها الزرنيخي المُر (يقتل الحمار) والملح الأجاج تجده كالثلج في سواقي الماء ، والهماج أو الدبج الذي يمكن شربه للمضطر ، والعذب الفرات كماء المطر ، وفي محيط هذا المكان نجد أن السيول تجري عند المطر في كل الاتجاهات شمالا وشرقا وجنوبا وغربا ، ومركزه (بزاخة) التي فيها تم إنشاء خزان الماء المركزي لكل المنطقة وبالقرب من هذا المكان إلى الشمال قليلا ينتهي التكوين الجيولوجي المسمى بالدرع العربي ويبدأ تكوين التجويفات المائية العميقة التي اكتشفت حديثا .
خزان المياه المركزي
موقع إنشاء المطار الدولي والميناء الجاف
وأود الإشارة إلى أنه في هذا المكان المركزي تمتزج طبوغرافياً كل ألوان الجبال في شبه جزيرة العرب ، وهي البركاني الأسود ، والناري الرمادي ، والجرانيتي الأحمر ، والبازلتي البني والكبريتي الأصفر ، والرملي الوردي ، وتبعا لذلك توجد به كل درجات نقاوة وعذوبة المياه بما فيها الزرنيخي المُر (يقتل الحمار) والملح الأجاج تجده كالثلج في سواقي الماء ، والهماج أو الدبج الذي يمكن شربه للمضطر ، والعذب الفرات كماء المطر ، وفي محيط هذا المكان نجد أن السيول تجري عند المطر في كل الاتجاهات شمالا وشرقا وجنوبا وغربا ، ومركزه (بزاخة) التي فيها تم إنشاء خزان الماء المركزي لكل المنطقة وبالقرب من هذا المكان إلى الشمال قليلا ينتهي التكوين الجيولوجي المسمى بالدرع العربي ويبدأ تكوين التجويفات المائية العميقة التي اكتشفت حديثا .
خزان المياه المركزي
موقع إنشاء المطار الدولي والميناء الجاف
خامسا : كما يتبين أن أولئك الشعب في عبادتهم صنم
الفلس (الصليب) الفريد من نوعه ، فقد عرفوا عقيدة التوحيد الوثني ، وأن رمزها هو
(الصليب) حيث وجد في آثار الثموديين منقوشا على أحجار منقولة وهي مقولبة بحجم
15×15 سم ، وكذلك على صخور ثابته ، خاصة في المعابر ، وكذلك صور الأسد المهيب ، وآثارهم توجد في أماكن توفر المياه العذبة
والقريبة ومن أهمها جبة وهدباء وسراء وياطب وفيد ، وغيرها . علما بأن "أغنى منطقة للنقش والكتابات
والآثار الثمودية بعد اليمن هي منطقة حائل (جبال طيء) شمال غرب الجزيرة العربية، وتقدر أعداد النقوش فيها بنحو 70 ألفا نصا بحسب معدلات علمية تستند
على المساحات التي توافرت بها النقوش المكتشفة حاليا. وتعود أزمنة النصوص الثمودية
في حائل إلى الفترة بين 5500 - 3100 قبل الميلاد[16]. ، وقد أعلنت عن ذلك هيئة
السياحة (في السعودية) عام 2010 في مؤتمر صحفي عقدته بعد تحديد عمر مجموعة نقوش في مدينة جبة(100كلم شمال حائل) اتضح
أنها ثمودية وحدّد القياس وفق إشعاع النظير الكربوني، عمر
تلك الرسومات الصخرية بـ 7200 سنة. أي أنها تعود لفترة 5200 قبل الميلاد. وكان ذلك
كشفا علميا هاما على المستوى الأثري عالميا لأن تلك الرسومات احتوت على رسم متقن
لـ (عربة محمولة على عجلتين). ما وضع شكوكا حول الرأي السائد عن زمن اختراع العجلة والذي
يُحدد بأنه كان في الألفية الرابعة قبل الميلاد (3000 - 4000). ولكن بحسب اكتشافات جبة اتضح أن
العجلة موجودة في حائل قبل وجودها في العراق بنحو ألف
سنة. كذلك تضمنت الرسومات الثمودية في جبة الواقعة
في حائل شمال غرب الجزيرة العربية مشاهد لـ رقص جماعي واحتفالات ومشاهد عديدة ذات أهمية كبرى في سياق
بحث المجتمع الثمودي.[17] وإثر هذه الاكتشافات أوضح علماء آثار أن الثموديين قد يكونون استوطنوا
شمال الجزيرة العربية وتحديدا حائل قبل استيطانهم اليمن، بل
هاجروا لليمن، قرابة عام 4800 قبل الميلاد، وأقاموا هناك نحو ألفي سنة قبل أن يعاودوا الهجرة ثانية نحو شمال
غرب الجزيرة العربية."
ويرى أغلب الباحثين العرب بأنه إبان قيام مملكة
تدمر انتقل هؤلاء الشعب إلى الشام واشتهروا في فلسطين ولذلك أخذت اسمهم . والعجيب
أن هذا المكان الجديد له نفس خصائص المكان القديم من حيث كونه مركزا دينيا وتجاريا
ومعبرا إجباريا وممرا للهجرات وملتقى للشعوب ، ومحشرا ومنشرا ...الخ .
سادسا : أما عن علاقة كل ذلك بالفلس النقدي..
فيعود إلى أن هذا الصنم (الفلس) يقع على عرق جيولوجي ترابه مختلط بتِبْر الذهب
الأصفر والأبيض وكانت توجد به بعض الأحجار الكريمة وأهمها الألماس الأبيض والزُّمُرد
بكل الوانه من الأبيض فالزهري فالرمادي فالأخضر الذبابي فالمزرق فالبني فالأسود
وأحجار اليسر الأسود ، والقمر ، والكريستال ، وغيرها ..
والصورة التالية عبارة عن فوهة منجم ثمودي اكتشف
قريبا ، في نفس الوادي المنحدر من عرق الفلس ، جنوب عن مدينة حائل ، جوار بلدة قفار التاريخية .. وهكذا فالمستخرج منه هو عبارة عن تراب
وأحجار الفلس ، والتي منها جاءت العملة التي سميت الفلس .
سابعا : وأما أن أهل هذا المكان هم أول من استخدم
نظام البيع والشراء بالعملة النقدية بدلا من التبادل (المقايضة) فذلك يعود إلى أنه
في هذا المكان (جبال طيء) كان يوجد أكبر مركز للتبادل التجاري في قلب العالم
القديم ، أي ما بين فارس والسند واليمن وجنوب أفريقيا ومصر وشمال أفريقيا والعراق
والشام ، بما فيها تجارة القمح والتمر والإبل والرقيق والبز والحرير والسيوف والدروع
والزينة والتوابل والبخور والعطور ..الخ ، ولكن نظرا لكون هذا المكان يقع في قلب
الصحراء الجافة فما كانت توجد فيه أي منتجات زراعية ولا صناعية اللهم إلا ما هو
محدود جدا ، من تمر أو حبوب ، وهكذا فلا يوجد فيه ما يصلح للمقايضة المعتادة غير
الماشية وهي غالبا معرضة للأوبئة والقحط ، وهكذا فقد ابتكروا المقايضة بالأحجار
الكريمة ثم صنعوا الذهب وسكوا منه قطعا نقدية ، لمقايضتها بما يحتاجونه ، كما قد استخدموا
ما يشبه الكمبيالة أو السند المكتوب ، وربما لنفس الغرض ابتكر الطائيون من سدنة
صنم الفلس الأبجدية العربية وكتبوا العربية المفصلة والمتصلة الحروف ..
إلى هنا أعتقد أن الأمر قد أصبح واضحا حول أصل
التكوين اللفظي لمصطلح فلسطين وحول دلالاته الواقعية ..
وتقبلوا تحياتي
الباحث في علم الاجتماع التاريخي
د.شائم الهمزاني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق